أقتصاديات التعليم وطموح الأمم
بقلم: أ.د.يونس مقدادي
تُعد أقتصاديات التعليم من إحدى المجالات الرئيسة في علم الاقتصاد لإرتباطها في حياة المجتمعات البشرية ونهضتها على أعتبار التعليم النواة الأساس في تغيير بوصلة المجتمعات نحو التحضر والرقي والتطور الفكري والثقافي والمعرفي وعلى مختلف مستوياته وعلومه المختلفة، ويراه الجميع بإنه حاجة أساسية وعصب للحياة البشرية ولايمكن الاستغناء عنه لأهميته الأنسانية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها في ظل التغير العالمي والذي أصبح يعصف بمجتمعات العالم ومن جميع الاتجاهات، مما دفع علماء الفكر الاقتصادي ومنذ عقود طويلة مضت بالتركيز على أقتصاديات التعليم وكيفية أستثماره ضمن مفاهيم ونظريات أقتصادية مٌسلم بأهميتها وغاياتها لتكون المرجع والمفتاح الحقيقي لنهضة المجتمعات والتسابق نحو القمة.
لقد شهدنا مجتمعات عديدة حول العالم متمثلة بدولها كيف أستطاعت أن تٌفعل تلك المفاهيم والنظريات الخاصة بأقتصاديات التعليم كأولوية لقناعاتها بإن التعليم هو الخيار الوحيد، والذي بدوره قد أوصلها إلى ماهي عليه، مع حرصها بالاستفادة من مخرجات التعليم بأنواعه ومجالاته المتنوعة كوسيلة وغاية، وها هي تحتل مواقع متقدمة لا بل في صدارة العالم أقتصادياً وتكنولوجياً وثقافياً وفكرياً وحضارياً، والجميع يحسدها إلى ما هي عليه.
أن الأساس في ترجمة مفاهيم ونظريات أقتصاديات التعليم يعتمد بالدرجة الأولى على أمرين أساسين وهما الإرادة بالتوجه نحو التنعليم كأولوية والأنفاق السخي والموصول على التعليم لتوفير بيئة خصبة للتعلم وتوفير بنية تحتية متكاملة بكافة مرافقها التعليمية والبحثية لتكون البداية في صناعة العقول لتستثمر في ترجمة الغاية منها في خدمة المجتمعات أفراداً ومؤسسات، وتحقيق التغيير النوعي الذي يتطلع له الجميع والذي سيترك بصماته على نوعية الحياة وضمن المؤشرات الأقتصادية والإجتماعية بالدرجة الأولى كي ينعم بها الجميع وخلافاً لذلك يرى أصحاب الفكر الأقتصادي بإن سؤء أستثمار التعليم بمفاهيمه الأقتصادية سيترك مخلفات لا يحمد عقباها وستكون النتيجة مؤلمة للجميع والبقاء في مربع التخلف الاجتماعي والاقتصادي على حدٍ سواء.
ويتسأل العديد من المتابعين من ذوي الاختصاص الأقتصادي والتعليمي عن مدى الأهتمام والتطبيق الفعلي لمفاهيم ونظريات أقتصاديات التعليم في واقعنا العملي والذي يراه العديد بإن هناك فجوات شكلت إختلالات في منظومة التعليم ومن أبرزها تدني حجم الأنفاق على مدخلات التعليم وإحتياجاته، وضعف في البنية التحتية التكنولوجية والمهنية، وضعف شديد في مخصصات دعم البحث العلمي المالية والأنفاق عليه، والتركيز على التعليم الكمي، وضعف في التخطيط الاستراتيجي لمستقبل التعليم، وضبابية الرؤى والتحليل الموضوعي لواقع سوق العمل والتي بمجملها أفرزت تحدي أقتصادي وإجتماعي كبير نقف عاجزين عن معالجتة وبما يسمى بالبطالة المقنعة والتي لا ينكرها أحد في ظل محدودية فرص العمل للخريجين، وهذه النتيجة قد أضعفت دور التعليم وعوائده في تحريك العجلة الأقتصادية والناتج القومي.
إن التسابق العالمي في التعليم والذي يترأسه عدد قليل من دول العالم والذي كان وما زال نتيجة لإيمانها الحقيقي بإقتصاديات التعليم والأستثمار الأمثل له وبالتركيز على التعليم النوعي وليس الكمي، ومضاعفة حجم الأنفاق على التعليم والبحث العلمي كأولوية، وتوفير البنية التحتية اللازمة تعليمياً وبحثياً وتكنولوجياً، وحرصها على توجيه مؤسسات التعليم بمختلف مستوياته إلى تبني سياسات تعليمية قادرة صناعة رأسمال البشري مزود بمؤهلات وقدرات ومهارات ذات عوائد تسهم عملياً في تحقيق التنمية في كافة مجالاتها، ناهيك عن ترسيخ العلاقة الارتباطية ما بين رأسمال البشري المبدع والمبتكر والمؤهل بدخل الفرد والدخل القومي من جهة وتحسين عجلة الانتاج وفاعلية الناتج القومي من جهة أخرى.
أن أقتصاديات التعليم أو الأستثمار بالتعليم أو الأستثمار برأسمال البشري كما يقول البعض فهي جميعها تصب في خندق واحد وجميعها مرتبطة بتعليم الأنسان الفرد ليصبح المفتاح الحقيقي في بناء ثروة الأمم وهذا ما أشار اليه آدم سميث في كتابه الشهير( ثروة الأمم) والذي بدوره لفت أنتباه العالم بأهمية التعليم أقتصادياً وإجتماعياً ، والذي دفع بدوره العالم نحو التسابق على التعليم كأولوية إيماناً بأهميته وعوائده والتي لا تٌعد ولا تحصى. وها نحن نتطلع دائماً إلى أن يكون التعليم هو الخيار الاستراتيجي الوحيد للتغيير والتنمية تناغماً مع تطلعات صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني أبن الحسين المعظم وولي عهده الأمين حفظهم الله ورعاهم.