تمكين التعليم الجامعي لمواجهة تحديات الثورة الصناعية الخامسة
الأستاذ الدكتور عدنان الجادري
جامعة عمان العربية
تشكل الثَّورات الصناعية التي مرت بها البشرية عبر القرون الثلاثة الماضية نقلة نوعيَّة في تطور التقنيات وادماج مجالات الحياة المادية (الفيزيائية) والرقمية والبيولوجية وإلغاء الحدود الفاصلة بينها، إضافة إلى تأثيرها على التَّخصصات العلمية والإنسانيَّة واقتصاديات الدول وحتى على المفاهيم المرتبطة بالعلوم الإنسانية.
والثورة الصناعية بمفهومها المبسط تعني إحلال العمل الميكانيكي محل العمل اليدوي ونشره. وتعود أُولى الثورات الصناعية، وما تبعها من ثورات في عصور لاحقة، إلى النهضة العلميَّة التي شهدتها أوروبا خلال القرن الثامن عشر في مختلف العلوم ، وكانت نتيجتها انتشار الاختراعات والاكتشافات من خلال البحوث والتجارب التي تعد السبب المباشر في قيام أولى الثورات الصناعية خلال القرن التاسع عشر التي كان لها تأثير على تغيير مجرى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أوروبا والعالم أجمع .
وتُعدُّ إنجلترا أولى الدول التي حققت نهضةً صناعيَّةً منذ منتصف القرن الثامن عشر وتحديداً عام 1765 واستمرت حتى نهاية القرن التاسع عشر، وكان اكتشاف مصادر الطاقة المتمركزة على الفحم، واختراع المحرك الذي يعمل بالبخار هما عماد الثورة التي كانت نتيجتها اختراع الآلة البخارية التي عملت على مكننة صناعة النسيج والأقمشة وعمل المحركات التي شكلت بدورها النواة الأساسية لظهر الثورة الصناعية الأولى . ويجدر الإشارة إلى أنَّ أهم العوامل التي ساهمت في ظهور الثورة الصناعية هي النهضة الزراعية التي شهدتها إنجلترا التي كان لها التأثير في زيادة العوائد المادية للمزاراعين وسكان الريف والنهوض بمستوى حياتهم المعيشية التي زادت من طموحاتهم في توظيف الآلات والمعدات والتقنيات المختلفة التي انتجتها الصناعة لتطوير إنتاجهم الزراعي بشقيه النباتي والحيواني. وقد شكلت الثورة الزراعية البيئة المناسبة لتوظيف الآلات والمعدات والتقنيات المختلفة. وإضافة إلى النهضة الزراعية هناك عوامل أخرى أدت إلى ظهور الثورة الصناعية في إنجلترا لها صلة بقوة اقتصادها مقارنة باقتصادات العالم وما تتمتع به
من موقع جغرافي والاستقرار الداخلي بعيداً عن أخطار الحروب وإنتاج العديد من الاختراعات الجديدة التي ضمنت لها التَّفوق على منافسيها؛ ممَّا أتاح لها النهوض العلمي والاقتصادي. ومع نهاية القرن التاسع عشر امتدت تأثيرات الثورة الصناعية إلى دول أخرى من العالم خصوصاً أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية اليابان. وبدأت ألمانيا في تسيير أول خط سكك حديدية يعمل بالآلة البخارية.
ومع استمرار تطور المخترعات والتقدم التكنولوجي خلال تلك المرحلة، وبالأخص في نهاية القرن التاسع عشر، وتحديداً عام 1870 ظهرت مصادر أُخرى للطاقة ممثلة بالكهرباء والغاز وزيت البترول وكان لها تأثيرٌ في ظهور الثورة الصناعية الثانية. وهذه الثورة الصناعية تعد بحق من الثورات المهمة في تاريخ البشرية إذ إنَّها أرست دعائم رئيسية وصلبة للحياة التكنولوجية ولمستقبل حياة البشرية.
إذ كان لاكتشافات مصادر الطاقة الجديدة، وبالأخص طاقة الكهرباء، دور أساس في تطوير محركات الاحتراق الداخلي كونها بدائل متاحة للمحركات البخارية. وكان لها تأثيرٌ في ذلك على ارتفاع معدلات الطلب على معدن الحديد والصلب وما رافق ذلك من استخدام للمواد الكيمياوية في معامل الإنتاج الصناعي وتطوير وسائل الاتصال الممثلة بالتلفون والتلغراف واختراع وسائل النقل (السيارات) وصناعة الطائرات، وما حصلت عليها من تطورات سريعة ساعدت على تقريب المسافات بين دول العالم وتفعيل النشاط الاقتصادي والعلاقات التجارية بينها. ويمكن القول إنَّ عنوان الثورة الصناعية الثانية هي الطاقة الكهربائية وتصنيع وسائل إنتاج التي فتحت آفاقاً واسعة لاكتشافات واختراعات جديدة غيرت ملامح حياة البشرية على أرض المعمورة.
ومع بداية النصف الثاني من القرن العشرين وتحديداً عام 1969 شهد عالمنا قفزة نوعية في سلسلة التطور العلمي والتكنولوجي بفعل اكتشاف مصدر جديد من مصادر الطاقة ألا وهو الطاقة النووية وأطلق على هذا العصر بعصر الثورة الصناعية الثالثة. وتميزت سمات هذه الثورة عن سابقاتها من الثورات في إحداث ثورة بعالم الإلكترونيات وأعظم إنجازاتها كان اختراع الحاسبات الإلكترونية وشبكات الإنترنيت وبرمجة الالات والمعدات ومعالجة المعلومات وتخزينها وتطويرفي وسائل الاتصالات ورحلات الفضاء، وتعاظم الأبحاث وتنوعها في مجال التقنيات الحيوية والهندسة الوراثية التي أسست لتطوير تكنولوجيا نقل الأعضاء وزراعتها، والتخصيب الصناعي والاستنساخ وغيرها .... وكل ما تحقق في هذه الثورة الصناعية الثالثة كان بفضل الكومبيتروالثورة الرقمية.
وليس هناك من شك أنَّ هذه الإنجازات التي حققتها الثورة الصناعية الثالثة فتحت أبواباً مشرعة لتكنولوجيات جديدة كانت مدخلاً لعصر جديد أُطلق عليه عصر الثورة الصناعية الرابعة. وتُعدُّ هذه الثورة الحلقة الأخيرة في سلسلة الثورات التي تعاصرها البشرية في وقتنا الراهن ابتداءً بالثورة الزراعية وانتهاء
بالثورة الرقمية. ويشير الباحثون الاقتصاديون وعلى رأسهم كلاوس شواب (SCHWAB KLAUS) المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي الدولي أنَّ تأثير الثورة الصناعية الرابعة يفوق التأثيرات الناجمة عن الثورات الصناعية الثلاث السابقة؛ وذلك بسبب سرعتها الجامحة، واتساع مجال تأثيرها سواء على الأفراد والمجتمعات أو الأعمال والحكومات، فهي لا تغير فقط في آلية عمل الأشياء بل تغير الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا. وتمتاز الثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها عالمنا المعاصر بثلاث أنواع من التقنيات، الأولى تقنيات مادية لها صلة بتوظيف الذكاء الأصطناعي والواقع الأفتراضي وتكنولوجيا الحوسبة الفضائية والسيارات الذكية ذاتية القيادة والطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات وتكنولوجيا الجوال والمصادر التعليمية المفتوحة وغيرها .... والثانية تقنيات رقمية ممثلة بإنترنت الأشياء والمنصات الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي والبيانات الضخمة وتحليلها وغيرها ... والثالثة تقنيات بيولوجية والممثلة بالتقنيات الوراثية وهندسة الجينات والتقنيات الحيوية التي سيكون لها دور في معالجة الأمراض. ويجدر الإشارة والتأكيد أن هذه الثورة أسست قاعدة رصينة لتطوير المجتمعات الإنسانيَّة والانطلاق نحو آفاق جديده بفعل وتأثير الذكاء الاصطناعي الذي يعدُّ التقنية الأحدث في تطوير المعرفة الأنسانية وتغيير وجه التاريخ.
وليس من شك أن تأثيرات هذه الثورة الصناعية أصابت خصوصية حياة البشرية بكثير من التعقيد والجدل وولدت تبعات وإفرازات نفسية وصحية مؤثرة على حياة الإنسان وقدراته العقلية؛ وذلك لأنَّ الآلة أصبحت بديلاً لا مفرَّ منه للقيام بأعماله وتأدية الكثير من المهام وخصوصاً المعقدة منها، وستؤدِّي إلى تغيير جوهري في طبيعة الأشياء وفي طبيعة الإنسان نفسه. ولكن مهما يكن من شيء فإنَّ الثورة الصناعية الرابعة أو الثورة الإلكترونية تتعاظم في أهميتها وفوائدها فيما تقدمه للبشرية من إنجازات ضخمة. فالمنظومة الإلكترونية باتت تشكل العمود الفقري للمؤسسات الحكومية والبنكية والتعاملات التجارية والمؤسسات الطبية والصناعات الدوائية والأجهزة البحثية والتعليمية ونظم النقل والمواصلات وغيرها ... ونقلت الثورة الصناعية الرابعة العالم بأسره من عالم مادي ملموس إلى عالم افتراضي إلكتروني، شهد توغله خلال العقدين الأولين من الألفية الثالثة من خلال ما نلمسه من انتشار واسع في استخدام الإنترنت في مجالات الحياة المختلفة. ووفقاً لما تشير له بعض الإحصاءات الدولية أنه من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت في العالم إلى أكثر من (7.7) مليار مستخدم بحلول 2030 وهؤلاء سيُمثلون ما يقارب (90%) من عدد سكان العالم المتوقع في ذلك الوقت، منهم أكثر من (7) مليارات مستخدم يعتمدون على الإنترنت عبر هواتفهم الذكية. وإن الأجهزة التي تتصل مباشرة بالإنترنت (عبر إنترنت الأشياء) سوف ترتفع في جميع أنحاء العالم بنسبة (12 %) سنوياً.
وعلى افتراض أن الثورات الصناعية الأربع ساعدت على تحسين حياة الإنسان في مختلف مناحي الحياة، لكن ما حدث أنَّها جعلت حياة الإنسان غاية في الصعوبة بدونها. ولكن السؤال المقلق الذي يثار من قبل غالبية المتعلمين والمثقفين وذوي الاختصاص وأصحاب القرار، ماذا ستحمل لنا الثورة القادمة التي نطلق عليها بالثورة الصناعية الخامسة؟ وهل ستفعل هذه الثورة الشيء نفسه الذي فعلته الثورات السابقة ببعديها العلمي والإنساني؟ وما هو نوع وأشكال التحديات التي سيواجهها مجتمعنا الإنساني وكيفيَّة التعامل معها؟ وهل ستعدل مسار الثورات الصناعية باتجاه التوازن بين الجانب العلمي والجانب الإنساني؟ وأسئلة عديدة أخرى تثار. ولكن الإجابة عليها تبقى في إطار التكهنات والتوقعات والتنبؤ بعيداً عن المعطيات الحقيقية التي ينبغي تحليلها والاستنتاج منها لتقديم ما يجب أن يكون بناءً على ما هو كائن. وعليه فإنَّ الحديث عمَّا ستأديه الثورة الصناعية الخامسة يبقى سابقاً لأوانه وأنه مجرد تنبؤ بالمستقبل، بالرغم ممَّا تشير إليه الكثير من الدراسات بهذا الصدد بأنَّ الثورة الصناعبة الخامسة تمثل عصراً جديداً ما بعد الذكاء الاصطناعي، أو الجمع بين الذكاء الاصطناعي والروبوتات والناس في مكان العمل والتفاعل بينهما، وستتيح الثورة الصناعية الخامسة العمل من مكان الإقامة وأنَّ صاحب العمل يتمكن من مراقبة أداء العاملين والتواصل معهم بشكل مستمر. ويشير "مارك بينيوف" المدير التنفيذي ومؤسس (Salesforce) بأنَّ هذه الثورة سوف تعطي مزيداً من المساحة إلى عالم الابتكار والإبداع، حيث تنقل الأتمتة إلى أعلى مستوياتها بدعم من الذكاء الاصطناعي. وقد يٌجري تحولاً في توجهاتها مقارنة بالثورات السابقة التي ابتعدت عن إعطاء أهمية للجانب الإنساني بخلق التوازن بينه وبين العلم.
إنَّ هذا التَّطور الهائل الذي أحدثته هذه الثورات العلميَّة والتكنولوجيَّة في مظاهر الحياة المختلفة فرضت واقعاً جديداً قد يثير القلق في نفوسنا ويجعلنا نفكر بشكلٍ جاد، وأن نطرح تساؤلات جوهريَّة بخصوص وضع التعليم الجامعي ومصيره في خضم التغيرات المتسارعة والجسيمة وما يمكن أن تفعله الثورة القادمة من مستجدات وفيما إذا تعليمنا الجامعي، في وضعه الحالي، سيتمكن من الاستجابة لتحديات الثورة القادمة من مستجداث ومظاهر وحاجته للتمكين؟ وهل التكوينات الهيكليَّة والبنيويَّة لهذا التعليم تتطلب تغيير وإعادة تأهيل استجابة للتحديات الجديدة؟ وهل يمكن لهذا التعليم أن يؤثر في حركة تطورها؟
ليس من شك أنَّ الثورات الأربع السابقة أحدثت تغييراً هائلاً في حياة البشرية واستجابت لها البنى الهيكلية وإجراءاتها للتكيف بشكل فاعل مع تأثيرات هذه الثورات، وكذلك فإنَّ الثورة الصناعيَّة الخامسة ستفرض نوعاً من التغيير في هياكل المؤسسات وبناءاتها التنظيمية بما في ذلك المؤسسات الجامعية وأهدافها واستراتيجياتها ووظائفها المنهجيَّة ؛ وذلك لأنَّ الوضع الجديد يلزم الجامعات استحداث برامج وتخصصات
تختلف عن تلك التي قائمة في وقتنا الحاضر؛ تلبية لمتطلبات واحتياجات سوق العمل الجديدة التي تنتجها معطيات الثورة القادمة. وستتسم الكثير من التخصصات الجديدة بالطابع الافتراضي المتنِّوع، بالأخص عمليات التدريس والبحث العلمي والخدمة المجتمعية، وستتضمن الفصول والمختبرات والقاعات والمكتبات وغيرها فعاليات افتراضيَّة تعتمد الواقع الافتراضي في المنهجيَّة والتطبيق. وستفرض هذه الثورة على منظومة التعليم الجامعي تغيير الرؤى والأهداف التي تتطلع لها وإعادة التمكين لمواجهة تحديات هذه الثورة بكافة مضامينها التقنية والمعرفية والمهارية. والتمكين يعني إعادة التأهيل لمنظومة التعليم كي تستجيب للواقع الجديد الذي ستفرضه معطيات التكنولوجيا الجديدة. ويصبج لزاماً تطوير منظومة التعليم من خلال رؤية فلسفية واضحة المعالم تركز في توجهاتها العملية على عصرنة وتحديث العقل الإنساني ليكون أكثر مواكبة مع متطلبات الثورة الصناعية الجديدة وتوظيف الإمكانيات الرقمية لتطوير الحياة البشرية. وأن تعمل على تطوير مناخ تعليمي يمكن من إحداث التغيير المطلوب في عقلية الأفراد القائمة بعقلية أكثر علمية ومبدعة لإنتاج المعرفة وتطويرها بشكل منطقي وموضوعي. وأيضاً لا بد من التفكير بتطوير البنية التحتية والتقنية للمؤسسات الجامعية، فالبنية التحتية الذكية تعد مطلباً أساسياً من متطلبات التمكين في عصر الثورة الصناعية الخامسة لتوفير حياة جامعية أكثر راحة للطلاب وأعضاء هيئة التدريس والإداريين وجميع العاملين. وفي هذا السياق أنَّ التغيير الذي سيظهر جراء الثورة الصناعية الخامسة يفرض على المؤسسات الجامعية أن تراجع مناهجها الدراسية وبرامجها العلمية، وأن تعيد النظر بمحتوياتها وأهدافها وتعمل على تحديثها بشكل منطقي وموضوعي ينسجم مع طبيعة التغيير في التقنيات القائمة والمستجدة والإيقاعات المتزايدة في التطور العلمي والتكنولوجي عبر الزمن. وذلك لأنَّ عالم المهن والوظائف التي ستظهر في سوق العمل ستكون مختلفة تمامًا عن المهن والوظائف القائمة الآن، ممَّا يملي على المؤسسات الجامعية إعداد متعلمين قادرين ومتمكنين من تقنيات الثورة الصناعية القادمة. فسيحتاج المتعلمين إلى مهارات رقمية متقدمة وقدرات متنوعة تتعلق بالتكيف وتطويع التقنيات الجديدة، وإلى أنماط تعليمية تهدف إلى تنمية أنواع التفكير الابتكارية والإبداعية وحل المشكلات. والتركيز بشكل أكبر واوسع ممَّا عليه الآن في استخدام وتوظيف الذكاء الأصطناعي وما ستنتج من تقنيات ما بعد الذكاء الاصطناعي. حيث ستطبق تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل واسع ومتطور في التعليم بالاستفادة من التقنيات الحاسوبية الهائلة وتوفر البيانات والمعلومات الكبيرة. وعليه حتماً ستصب نتائج هذا التطوير في المناهج الدراسية في تنمية قدرات المتعلمين وصقل مهاراتهم للتكيُّف والتفاعل الإيجابي مع الواقع الجديد الذي ينتظرهم. وتطوير هذه المناهج يجب أن يناظرها تطوير متزامن مع تطوير أعضاء هيئة التدريس؛ وذلك لأنَّ المعلم بكافة مستوياته ومؤهلاته والذي يتبوأ فيه الأستاذ الجامعي قمة السلم التعليمي، بوصفه العنصر الأساسي والفاعل والحلقة الأقوى في العملية التربوية والتعليمية، فهو قائدُ العملية التربوية ورائدُها، التي من دونه لا يمكن أن تؤدي أغراضَها. لأنَّ الأستاذ
الجامعي يمثل القيادة العلمية والفكرية الحقيقية في الوسط الاجتماعي، وأنه الأداة المحركة لإحداث التغيير الذي ينشده المجتمع، وذلك في ضوء ما يقدمه من أفكار وآراء ونظريات ونماذج من الابتكارات والاكتشافات في شتى ميادين العلم والمعرفة. ويجدر بالجامعة كمؤسسة تعليمية وبحثية أن تعي هذا الدور وتوظف كل الإمكانات المتاحة وتهيئ المناخ العلمي والعملي الملائم والمحفز للابتكار والأبداع وترجمة نتاجه الفكري والبحثي لخدمة المجتمع في ضوء التغيرات التي ستحدثها الثورة الصناعية الخامسة. ومن أجل ذلك فإن تمكين أعضاء هيئة التدريس بات يشكل الأساس في تطويرالمنظومة التعليمية لمواجهة تحديات الثورة الصناعية القادمة. وهذا ما أشارت إليه آراء ووجهات نظر الكثير من المهتمين وذوي الاختصاص إلى أن تمكين المعلم في عصر الثورة الصناعية الخامسة يأتي في مقدمة التوجهات نحو تمكين منظومة التعليم الجامعي للاستجابة لمعطياتها. وعليه فإن دور الأستاذ الجامعي يعد ركناً أساسياً من أركان منظومة التعليم، والمحور الرئيس لصناعة أجيال الغد، ولهذا ينبغي أن نسأل أنفسنا أولاً: هل الأستاذ الجامعي بمقوماته ومهاراته الحالية مؤهلاً للقيام بالمهام التي يتطلبها الواقع الجديد؟ وهل أن الواقع الجديد يملي على المؤسسات الجامعات البحث عن السبل الملائمة لإعادة تأهيله انسجاماً مع معطيات المرحلة القادمة؟ . في تقديرنا أن الأجابة عن هذه التساؤلات فيه نوع من التسرع في وقتنا الحاضر فليس لدينا معلومات دقيقة عما ستحمله لنا الثورة الصناعية القادمة من معطيات، وما نتوقع أن تحدثه من تغييرات في مناحي الحياة المختلفة. ولكن كل الذي نستقصيه بأنَّ هذه الثورة القادمة شأنها شأن الثورات السابقة وقد تفوقها في حجم التأثيرات التي ستحدثها في المجتمع الإنساني. ولذلك المطلوب من مؤسساتنا الجامعية أن تتهيأ بشكلٍ جادٍ وفاعلٍ وبشكل مبكر لدراسة وتحليل كل التَّحديات التي يمكن أن تؤثر في المنظومة التعليمية والسبل الكفيلة لمواجهتها، وهنا يبرز دور المفكرين وذوي الاختصاص وبدعم من أصحاب القرار في أعلى المستويات من البحث والتقصي والتأمّل في الآثار المحتملة التي ستحدثها هذه الثورة القادمة ووضع الخطط والاستراتيجيات التعليمية التي تتجاوب وتتفاعل مع العصر الجديد.