fbpxالإشاعة من منظور إسلامي | Amman Arab University

الإشاعة من منظور إسلامي

{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } ؛ الإشاعة من منظور إسلامي 

   الحمد لله خالق الكائنات ، بديع السماوات ، رافع البلاءات ، منزل الرحمات . والصلاة والسلام على نبيه الكريم محمّد  الذي لا يقول إلا الحق، ولا يرضى بمن يُحدث بين أمته الخرق، يأمر بالصّالحات وينهى عن الشّائعات ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلوات. وبعد؛؛؛

   في ظل أنفاس الخوف التي يحتبسها العالم بأسره في هذه الأيام ، وبين زخم الأخبار ووساوس البشر ممن ينقل الكلام غثّه وسمينه ويبث خِفّه ورزينه ؛ يبزغ المنهج الإسلامي والتوجيهات الربّانية والنبويّة للتّعامل مع تلك الأخبار والشائعات .

   {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } [النور:15] هي توجيه إلهي وعتاب رباني لخير القرون وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك في ثنايا التعقيبات الإلهية على حادثة الإفك التي خاض النّاس فيها بغير حق ، واتبعوا إشاعةً أثارها أحدُ المنافقين  وهو عبدالله بن أبي بن سلول ، كان تلقي هذه الإشاعة بهذه الطريقة الخاطئة سبب نزول نجم من الآيات ، بل قرآنٌ يُتلى إلى يوم الدين يعلّم المجتمع الإسلامي أن من شأن المسلم أن يتثبّت ويتحقق قبل أن ينقل ، حتى وإن تثبّت وتأكّد  فليس من الحكمه أن ينقُل كلّ ما سَمع فإنّ المعروف إذا قيل في غير مكانه أو أوانه ربّما ينقلب باطلا.

    يجيء التوجيه الربّاني بعبارة بليغة في نظمها تصف الواقع السيء في التعامل مع الإشاعة بدقّة {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } ، فبالرّغم من أنّ مصدر التلقي هو السّمع ومصدر التفكّر هو العقل ومصدر الكلام هو اللسان إلا أنّ الخطأ عندما نتلقّى بالألسنة وكأنه لا يمر بالأذن ولا يقف معه العقل ولا يأنس به القلب فالمسلم ينبغي أن يعي ما يقول وأن يقول ما يعي . ثمّ تقول الآية : {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم } ويتناغم فتح الواو ومد الألف وجريان الصوت في الألف جوفية المخرج لتعبّر عن الإندهاش من هذا الصنيع عندما تنطق بكلمة { بِأَفْوَاهِكُم مَّا } . وفضلا عن هذا أو ذاك فإنكم تقولون { مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ }  ولا شكّ أنكم محاسبون عليه { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا } [الإسراء:36]  فلا تتبع أذنك ما لم تسمع ولا عينك ما تر .

  ولقد علّمنا الله تعالى نبذ الإشاعات في آية أخرى وذلك حينما قال سبحانه منكراً على ناشري الإشاعات {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا}[النساء:83] فهم يُذيعون وينقلون ويتعجلون نقل كل شيء بما يكون في النهاية وبالا عليهم. والأصل في ذلك التروي والتأكد والتحقق وأن يرد إلى الله والرسول ثم إلى أولي الأمر ،  وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع” وفي الحديث “إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال “

 لا شكّ أن نشر الإشاعات له أثره العظيم على الدول والمجتمعات وكم من إشاعة قد ضربت اقتصاد دُول وأخرى قلبت نتائج حروب ومعارك ، لذا فإنّ الطائفة المشكّكة والتي تنقل الإشاعات في كل مجتمع يجب أن تتوقف ، وها هو المجتمع المسلم في العهد النبوي يعرفهم بمصطلح (المخذلين) (المثبطين) (المبطّئين) وقد كانوا من المنافقين ومن لفّ لفيفهم ممن يبطن للمسلمين البغض فهم مخذّلون للنّاس عن كل نهوض وسلامة ونجاح بأقاويل خطيرة ومن خطورتها أنها لا تبرز إلا في مواقف الشدّة . وكم قاموا وقالوا في وغى المعارك و الغزوات : لقد مات محمد عليه الصلاة والسلام ، وكم قاموا وقالوا : لا تنفروا في الحرّ . وكم حاولوا اختلاق الشائعات حول شخص النبي الكريم المعروف لديهم بالصادق الأمين عليه الصلاة والسلام ، لكن المجتمع المتين آنذاك رفض فنهض، فسرعان ما كان يتماسك القوم ويكذّب الخبر وينقلب السحر على السّاحر. شعارهم وشعارنا بإذن الله قول الله : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}[الحجرات:6]

    وكما هم (المخذلون ، والمبطؤون) هناك طائفة سمّاهم النبي صلى الله عليه وسّلم (العُصاة) وهم الخارجون عن أمر النبي صلى الله عليه وسلّم حينما أفطر في سفره لفتح مكّة إشفاقا بحال المسلمين ثمّ بلغه أن البعض بقي صائما فقال عنهم ” أولئك العصاة ، أولئك العصاة” ولا شكّ أننا نتذكّر هذا الوصف النبوي (العصاة) ونحن نرى من يخرق أمر أولي الأمر بتصرفات إن كثُرت أثقلت وأغرقت البلاد والعباد في  ظل هذا الظّرف .

  وها نحن نرى ألوانا من الإشاعات تارة بتهويل أعداد المرضى وأخرى بتبخيس إجراءات الدولة وأخرى باختلاق الأكاذيب حول ذكر الفيروس المسبب للمرض في القرآن الكريم بكلام لا يتحمّله النص القرآني المعجز لا بدلالة العبارة فضلا عن دلالة الإشارة . متناسين قول الله سبحانه {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد}[ق:18] وقول النبي صلى الله عليه وسلم “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” .

 ومن هنا كان لا بدّ لكل عاقل في هذه الأيّام أن يواجه الإشاعة بتعاليم الإسلام السّمحة وأن يرفض قول المخذّلين بكلّ ثقة بربّه بأنه سبحانه سيرفع البلاء وينزل الرخاء إنه تعالى مجيب الدّعاء ، حمى الله الأردن أرضا وملكا وشعبا وكلّ بلاد المسلمين . 
د. أحمد عبابنه .. كلية الشريعة  .. جامعة عمّان العربية