جامعات بلا أسوار
بقلم: أ.د.يونس مقدادي
تعدى مفهوم الجامعات كحاضنة تعليمية لصناعة العقول إلى شريك إستراتيجي في بناء المجتمع وبكل مكوناته، مما دفع الجامعات للبحث عن مقعداً لها للمساهمة في عملية التطوير والتغيير والبناء إنطلاقاً من مبدأ التشاركية والمسؤولية المجتمعية وخدمة المجتمع تحقيقاً للتنمية المستدامة وعلى مختلف الصُعد.
وأيماناً بالشراكة الاستراتيجية وخدمة المجتمع فقد تسابقت الجامعات في الدول المتقدمة ومنذ عقود طويلة على فتح أبوابها للجميع بدءاً من إزالة أسوارها المحيطة بها تعبيراً عن توجهات إداراتها نحو التشاركية الصادقة وضمن مبادرات وبرامج مجتمعية لخدمة مجتمعاتها، مما جعلها من إحدى المراجع الفاعلة في البناء والتنمية والأدلة والشواهد على ذلك كثيرة ويعرفها الكثير وخاصةٍ ممن تتلمذ في تلك الجامعات حول العالم، وهذه الحقائق قد صنعت فكراً وثقافة حضارية تتغنى بها تلك الجامعات ودولها وما صلت اليه من تقدم وفي مختلف المجالات.
وفي حقيقة الأمر نجد بإن غالبية إدارات الجامعات الأردنية وقياداتها قد تخرجوا من جامعات غربية قد الهمتهم سياسات وتوجهات وغايات تلك الجامعات ناهيك عن الغاية من عدم وجود أسوار لتلك الجامعات، والتي كانت تؤكد على ضرورة دمج الجامعات بالمجتمع كشريك في تحقيق التنمية المستدامة، ولكننا لم نسمع من أحدٍ منهم وعلى مر العقود من عُمر جامعاتنا بطرح مبادرة جامعات بلا أسوار، لا بل نجد إيمان الغالبية بالأسوار المغلقة والبوابات والحراسات البشرية والالكترونية وغيرها وبالمحصلة تركت صور نمطية للجامعات بعيدة عن المفاهيم والأدوار الجديدة والدليل نجد الغالبية منشغلة بمتابعة تفاصيل العملية التعليمية،والمجتمع الطلابي والأكاديمي، والقاعة الصفية والحضور والغياب والاجتماعات والورقيات وغيرها من التفاصيل وجميعها أصبحت محل استهلاك للطاقات بالرغم من التحول الرقمي، والأكتفاء بإطلالتها على المجتمع بجوانب محددة حسب سلم أولوياتها وبمجملها لا تشكل إلا نسبة بسيطة بالمقارنة بحجم مساهمات الجامعات في الدول المتقدمة، مما أستوقف المتابعين والمتسائلين عن غايات ودواعي هذه الأسوار إذا كنا فعلاً نؤمن بالتشاركية والتنمية على إعتبار الجامعات شريك إستراتيجي في بناء المجتمع دون حدود وقيود.
إن الفكر الاستراتيجي الحديث لإدارة الجامعات والمؤمن بالتشاركية في خدمة المجتمع يتطلب مراجعة لسياسات وخطط الجامعات الاستراتيجية والرامية لإزالة الأسوار المحيطة بالجامعات لإدماجها تماماً مع المجتمع، وهذا ما سارعت به الجامعات العالمية ومنذ عقود ومنها المرموقة والمعروفة للجميع لحرصها على بناء صورة جديدة تقوم على التفاعل والتشاركية مما شكلت نقلة نوعية لمجتمعاتها والتي نسمع عنها بأدق التفاصيل والتي أوصلتها إلى ما هو عليه من تقدم وتطور وتربع في طليعة دول العالم، وهذا يدلل على الرقي الحضاري لدور الجامعات الحيوي في بناء الدول وحضارتها.
ومن باب الأنصاف لا ننكر محاولات الجامعات الأردنية ومساهماتها الرامية للبناء والتنمية كإحدى مسؤولياتها ولكنها ما زالت متواضعة في ظل تحويطها بأسوار مغلقة عزلتها عن المجتمع والتي تحتاج إلى مراجعة ضمن رؤية جديدة تلامس مسوؤلياتها الجديدة لتصبح بيئة خصبة للفكر الحديث لمفهوم ودور الجامعات الذي لا ينضب في خدمة المجتمع تناغماً مع تطلعات صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني أبن الحسين المعظم وولي عهده الأمين حفظهم الله ورعاهم.