fbpxVocational and Technical Education: Present and Future Challenges | Amman Arab University

Vocational and Technical Education: Present and Future Challenges

 التعليم المهني والتقني :  قيود الحاضر وتحديات المستقبل

 

الأستاذ الدكتورعدنان الجادري

كلية العلوم التربوية والنفسية / جامعة عمان العربية 

 

ونحن في نهاية العقد الثاني من الألفية الثالثة نواجه كغيرنا من شعوب الدول النامية  العديد من التحديات التي فرضتها المتغيرات  والمستجدات على الساحة الدولية، التي يمكن اختزالها في العولمة والتقانة المتقدمة والانفتاح الإعلامي والانفجار المعرفي والمعلوماتي والتكتلات الاقتصادية والثقافية. وهذه المستجدات بما تتضمنه من إيجابيات وسلبيات لا يمكن لدولنا تجنبها، بل ينبغي التعامل معها والتكيف لها والتركيز على الميادين التي يمكن ان تلعب دوراً مهماً في مواجهتها.

وغالبا ما يقاس تطور الأمم في ضوء المكانة التي تتبوؤها مؤسساتها التربوية والتعليمية باعتبارها البيئة العلمية المؤهلة لإمداد مؤسسات الدولة والمجتمع  بالموارد البشرية الكفوءة والمقتدرة على صياغة التاريخ و تحقيق التقدم في كافة ميادين الحياة. والمؤسسات التعليمية بمفهومها المعاصر هي مصنع المعرفة  واهدافها لن تعد ترفا مجتمعياً لأعداد موارد بشرية ومنحهم شهادات في اختصاصات مختلفة لشغل الوظائف في سوق العمل بل اصبحت خياراً استراتيجيا في اطار منظومة استثمار وتنمية الموارد البشرية , لأن الطريق الوحيد لمواكبة التطور والتقدم هو ارساء دعائم وأستراتيجيات لتنمية الموارد البشرية الكفوءة والمقتدرة لأن تؤدي دوراً ريادياً وقيادياً في إحداث تحولات جذرية هادفة في بنية المجتمع وتطوره اقتصاديا واجتماعياً وحضارياً.

     ومن أجل مواجهة هذا الواقع لابد من إيلاء اهتمام كبير ومتزايد لقطاع التربية والتعليم وبالأخص التعليم المهني والتقني لأن يلعب دوراً حاسماَ في مواجهة هذه التحديات وصياغة المستقبل لشعوبنا، لأن المستقبل بكل أبعاده وتحدياته يعتمد على اعداد المواطن المنتج والمبدع، وتأهيله بكفاءة وفاعلية تمكنه من التفاعل الواعي مع التقدم العلمي والتقني الذي يشهده عالمنا المعاصر والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة مجتمعاتنا.           

   ان واقعنا العربي يعاني جملة  من الاختلالات وعدم الاتزان الهيكلي في كافة الجوانب الحياتية وخصوصاً بالجانب التربوي والتنموي وتتمثل تلك الاختلالات بهذا الجانب في ثلاثة أبعاد أساسية  هي منظومة التربية والتعليم فى علاقتها مع مؤسسات سوق العمل، وأجهزة البحث والتطوير العلمي والتقني،و القيم والسلوكيات المجتمعية والثقافية. وبين هذه الأبعاد الثلاثة علاقات تاثيروتأثر وتفاعل متبادل ولكن تركيزنا في هذا المقال  على الجانب التريوي وبالأخص التعليم المهني والتقني كمنظومة فرعية من المنظومة التربوية فى تفاعلها مع مؤسسات سوق العمل والإنتاج ، وذلك لأن هذه المنظومة تمثل مجال تخصصنا، ولأنها تعد الركيزة الأساسية للتنمية بكافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية .

    لقد عرفت منظمة العمل العربية التعليم المهنى الفنى بأنه أحد مسارات التعليم المتاحة بعد إنهاء مرحلة التعليم الأساسى ، وتتراوح مدة الدراسة فيه مابين 2 – 3 سنوات ويستهدف اعداد العمالة وفقاً لاحتياجات سوق العمل الوطنى والإقليمى لمستوى العامل المهني بحسب مستويات المهارة في التصنيف العربي المعياري للمهن وتمكين الملتحقين فيه من مواصلة التعليم التقني والجامعي في مجال التخصص المهني .وعرفت "التعليم التقني" بأنه تعليم جامعي متوسط، يلتحق به الحاصلون على شهادة الثانوية العامه ومدة الدراسة فيه سنتان بالمتوسط، ويستهدف إعداد الخريج فى مستوى العامل التقني بحسب التصنيف العربي المعياري لفئات مستوى المهارة للمهن وتمكين الملتحقين من مواصلة تعليمهم الجامعي في مجال التخصص التقني .

وقد اتخذت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو" في مؤتمرها  العام الدورة (31) المنعقدة في باريس 15 أكتوبر – 3 نوفبر 2001 توصية مهمه تتعلق  بتطوير وتحسين التعليم التقني والمهني وقد ضمنت فيها تعريفاً وأهدافاً للتعليم المهني والتقنى والتي نصت فيها ان التعليم التقني والمهني يقصد بهما جوانب العملية التعليمية التي تتضمن اضافة إلى التعليم العام دراسة التكنولوجيات والعلوم المرتبطة بها واكتساب المهارات والمواقف وضروب المعارف المتسمة بالطابع العملي فيما يتعلق بالمهن والأعمال فى شتى قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية . وفضلاً عن ذلك ينبغي أن يكون التعليم المهني والتقني جزءاً من التعليم العام وسبيلاً للالتحاق بعد التخرج إلى قطاع المهن والإنتاج واعتباره نمطاً من أنماط التعلم مدى الحياة وأداة لتعزيز التنمية  المستدامة للتخفيف من وطأة الفقر والبطالة وتعزيز المواطنة الصالحة . وعلى هذا يعد التعليم المهني والتقني من أنواع التعليم النظامي، الذي يهدف   بالمقام الأول الإعداد التربوي للطلبة, وإكسابهم المهارات والمعرفة المهنية، والذي تقوم به عدة مؤسسات تعليمية نظامية من أجل إعداد جيل من المهنيين والتقنيين المهرة في شتى التخصصات التجارية والصناعية والصحية والفنية والزراعية لمقابلة احتياجات سوق العمل بما يساعد على مواجهة الخلل الهيكلي بين العرض والطلب في أسواق العمل . وان دوره لا يقتصر على زيادة الإنتاجية فحسب, بل يؤدي إلى زيادة الثقة بالنفس ورفع الروح المعنوية للمهنيين والتتقنيين وتحسين الرضا الوظيفي ورضا المستفيدين من الإنتاج أو الخدمات بما يساعد على المنافسة في سوق العمل الداخلي والخارجي.

   ومن خلال نظرة متفحصة ومعمقة لواقع التعليم المهني والتقني في عالمنا العربي نجد انه يعاني من مشكلات وتحديات كبيرة على  الرغم من الشوط الذي قطعاه هذان النمطان التعليميان وما حققاه من انجازات , فانهما ما زالا أسيرا قيود الماضي ومثقلان بمطالب واحتياجات لا يستطيعان تحقيقها . وبمقارنة أوضاع التعليم المهني والتقني بالتحديات القائمة في الوقت الحاضر وما سيواجههما من تحديات في المستقبل نكاد نجزم بأنهما غير قادرين على الاستجابه والتصدي لتلك التحديات ان لم يصبحا هما نفسهما معضلة امام التنمية والتطوير إذا  لم نجر محاولات لكسر قيوده ويوضع ضمن أولى  الاهتمامات والتوجهات الوطنية للدول , وفي اطار فلسفة واضحة ومحدده تترجم إلى استراتيجيات ذات مديات مختلفة تنتج عنها برامج ومشروعات ذات اهداف تستجيب لحركة الواقع وايقاع الحياة بشكل فعال .

   وهنا يجدر الأشارة الى أن اكثر ما  يعيق تطور وفاعليةالتعليم المهني والتقني ومؤسساته المختلفة الثقافة السائدة في مجتمعاتنا العربية التي كانت وما زالت تنظر الى  هذين النمطين من التعليم بشىء من الأزدراء والدونية ,وذلك لانهما يؤهلان التلاميذ للمهن اليدوية والعمل الحرفي وهذا من شأنه لن ينسجم مع طبيعة الموروث الثقامي والقيم والتقاليد والافكار التقليدية السائدة , التي نشأ عليها المجتمع والتي تعلي شأن التعليم النظري النظري والعمل الفكري على العمل الحرفي والتقني .و للأسف، ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين , ونجد الاعتقاد السائد لدى أولياء أمور الطلاب في الدول العربية أن التعليم المهني والتقني لا قيمة له، وأن من يلتحق به طالب فاشل لم يتمكن من الحصول على درجات عالية، فلم يجد أمامه سبيل سوى الالتحاق بالتعليم المهني والتقني، ونتيجة لذلك يلجأ الكثير من الطلاب إلى الالتحاق بالتعليم الجامعي أو الأكاديمي، فنحصد في النهاية جيل كبير من الطلاب في الجامعات بعضهم تخرج والبعض الآخر في مقاعد الدراسة لم يتمكن من التخرج , وانعكاس ذلك على ارتفاع نسب البطالة بين المتعلمين في تلك المجتمعات وزيادة معدلات الفقر  . 

    اضافة الى هذا الموروث الثقافي السائد في مجتمعاتنا العربية فقد ساهمت أنظمة التعليم نفسها أو بشكل كبير في تعزيز تلك النظرة السلبية للمجتمع نحو التعليم المهني والتقني, وذلك من خلال الانظمة والتشريعات التي تجعل من خيار التعليم المهني والتقني في أدنى سلم أولويات الخيارات المتاحة  لدراسة الطالب بل أصبح خيار من لا خيار له بناءً على الدرجات التي يحققها في المرحلة الابتدائية، إذ يلتحق الطلاب ذوو المعدلات العالية بالتعليم الثانوي الأكاديمي، بينما يلتحق من لم يستطع تحصيل معدلات عالية بمدارس التعليم المهني , وكذلك الذين لا يحصلوا على معدلات عالية في التعليم الثانوي الأكاديمي بمعاهد ومؤسسات التعليم التقني . 

   اضافة  إلى الدور السلبي  التي تؤديه المؤسسات التعليمية التي يجدر بها  أن تراعي كلا الجانبين المهني والأكاديمي معًا. ولكن للأسف توجه جل اهتماماتها نحو التعليم الاكاديمي الجامعي وتتغافل عن أهمية الكنز المدفون “التعليم المهني والتقني”، فيا ترى ولمصلحة مَن تحجيم الدور العظيم الذي يؤديه التعليم المهني والتقني في اقتصاد وتنمية المجتمعات؟  ولماذا نتعمد تجاهل دور التعليم المهني والتقني في بناء  المجتمع بكافة أبعاده التنموية والحضارية . 

   وعلى الرغم من الشعور السائد لدى المؤسسات التعليمية العربية بأن أحد عوامل نهضة وتطور الدول المتقدمة صناعيا ً وتكنولوجياً  مثل الولايات المتحدة الامريكية , والمانيا ,واليابان , والصين واوروبا ,ودول شرق اسيا ,وغيرها بالتعليم المهني والتقني، وذلك لانه يعداهم دعامات الاقتصاد التي تقوم عليه تطور تلك الدول  واعطاءه الاهمية القصوى في انظمتها التعليمية السائدة, وربطها بشراكة فاعلة مع مؤسسات سوق العمل .

    على العكس من ذلك دولنا  العربية  التي تعاني من المشكلات الناتجة عن سنوات الإهمال، التي ضربت هذين النمطين التعليمين والذي انعكس بشكل كبير على ضعف الإقبال عليه، وتفادي أولياء الأمور إلحاق أبنائهم ,وعدم وجود فرص عمل حقيقية أمام الملتحقين بهما  بعد التخرج، لانفصال التعليم ومناهجهما عن سوق العمل . وقد زادت الفجوة في الوقت الحالي  بين مخرجات التعليم االمهني والتقني واحتياجات سوق العمل، بسبب عدم ارتباط منظومة المنهج التعليمي ببعضها، وضعف التنسيق والتكامل بين قطاع التعليم المهني والتقني ومؤسسات سوق العمل  بالاخص في مجال التدريب. أ

   وعلى أي حال , لم تصل معظم الدول العربية وأنظمتها التعليمية الى التخلص من  هذه النظرة المتخلفة والبالية وتحجيم آثاراها المعرقلة لنمو المجتمع وتطوره على الرغم من التحولات التي تظهر في عديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية . وعموماً ووفقاً لبعض الدراسات والأبحاث في السنوات الاخيرة حول المشكلات التي تعاني منها أنظمة التعليم المهني والتقني في الدول العربية اظهرت جملة  أسباب أدت الى ضعف واقع التعليم المهني والتقني ,وعدم الرغبة للالتحاق والدراسة فيهما : 

1 – ضعف التحاق الطلبة في الدول العربية ببرامج التعليم المهني والتقني . وإذا التحقوا بهذين النمطين من التعليم ,فلا يحصل هذا الالتحاق على الأغلب عن قناعة ورغبة , لكونهم يشعرون بالحرج امام اقرانهم والمجتمع نتيجة لضعف اهمية هذين النمطين من التعليم .

2 – ضعف الادراك المجتمعي, وحالة الجهل بماهية التعليم المهني والتقني وأهمية مخرجاتهما في تفعيل حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية  , و بناء المجتمع، ويعزى السبب بدرجة أساسية إلى غياب الدور التربوي الذي يتمثل بالإرشاد والتوجيه المهني ,الذي يفترض ان تساهم بكافة مؤسسات الدولة وبشكل خاص المؤسسات التعليمية والإعلامية .

3 – ضعف ارتباط مناهج التعليم المهني والتقني بالواقع العملي للمهن السائدة في سوق العمل، وعدم ملائمة مخرجاتها  التعليمية لمتطلبات سوق العمل الملحة، وبالتالي يصبح الطالب الذي يحمل الشهادة المهنية والتقنية غير قادر على الأستجابة لمتطلبات سوق العمل ..

4 - ارتباط  فكرة الالتحاق بالتعليم المهني والتقني بالفشل الدراسي لدى الطلبة , وأنه لا يؤمن المستوى الاجتماعي والدخل المادي المطلوب ..

    إن التحديات الماثلة أمام مجتمعاتنا العربية تفرض الحاجة إلى تكوين قدرات بشرية مؤهلة وقادرة على التكيف والتعامل مع كلّ جديد، فنحن نعيش في عالم يتميّز بديمومة التغيير، مما يفرض مراعاة دؤوبة لاحتياجاته من الموارد البشرية الفنية كأساس جوهري , وذلك من خلال سياسات واضحة وجادة لتطوير التعليم المهني والتقني ومنسجمة مع مستقبل الأجيال القادمة , وتُمكّن النشء من الاندماج في مجتمعاتهم على المستويين الوطني والإقليمي  .

    ولهذا نرى هناك ضرورة  إلى إجراء تقويم مستمر للنظم التعليميه بشكل عام والتعليم المهني والتقني بشكل خاص حتى نضمن التجديد والتوافق المستمر مع  المتغيرات على الساحة الدولية. يجب ألا ننسى أننا نعيش في عالم تتلاشي فيه المسافات الجغرافية، وآخذه في التعولم، وهذا يدفعنا إلى المناداة بإعادة نظر جادة في نظم التعليم في منطقتنا العربية إذا أريد للتعليم المهني والتقني أن يسهم في تشكيل الرافد االتنموي للمجتمع ومدخل للبناء والتقدم الاقتصادي والاجتماعي . وان يتواءم مع زمن سريع التغيير ,ويتّسم بالمنافسة الحادة، وهذا يبرز أهمية التعليم المهني والتقني ويتطلب اعادة النظر في فلسفته واستراتيجياته وبرامجه حتى تنسجم مع الاحتياجات المجتمعية ,وتتوافق مع المتغيرات التقنية التي يشهدها العالم.

   وأصبح تطوير منظومة التعليم المهني والتقني ومناهجه مطلباً ملحاً ليتلاءم مع متغيرات العصر الثقافية. وأن التكيف مع متطلبات الألفية الثالثة يعني تعزيز تمويل المشاريع التعليمية لخلق فرص حياة أفضل، ولإكساب الطبقات الفقيرة والمهمشة في الدول النامية القدرات والخبرات الأساسية لتعزيز رأس المال البشري ,ورفع إنتاجيته وتوظيفها للصالح العام.