البطالة والسلم المجتمعي
بقلم: أ.د.يونس مقدادي
يشهد الأقتصاد العالمي ومن منذ عقود مضت تحدياً كبيراً بما يسمى بالبطالة كنتيجة أفرزتها عدة عوامل مجتمعة وتحولها من حالة إلى ظاهرة تفشت في مجتمعات العالم، وبالتالي أقلقت الجميع وعلى مختلف المستويات أفراداً ومجتمعات وحتى صانعي القرار دون الحيلولة لمعالجة هذه الظاهرة المتفاقمة والتي أصبحت تنهش بتبعاتها الجسم الأقتصادي لجميع دول العالم ناهيك عن الأضرار المتلاحقة بحياة الأفراد ومستقبلهم الاجتماعي والاقتصادي والمعيشي وحتى النفسي على أعتبار أن الأنسان الفرد تحكمه أحلام وطموحات ومشاعر تبلور تطلعاته المستقبلية ولكن مع الأسف أصبحت عبئاً عليه لا بل أصبح يعيش في مستنقع الاضطربات النفسية مع غياب فرص العمل والدخل الكافي لسد احتياجاته ومن يعول.
أن موضوع البطالة قد تم تناوله مراراً وعلى مختلف المستويات دون التوصل لحلول جذرية، لا بل مازالت هذه الظاهرة تنهك فكر ومستقبل الأجيال مع تزايد واضح في حجم البطالة وخاصة في مجتمعات الدول النامية ولأسباب معروفة للجميع، وهذا يقودنا إلى استنتاج بإن شبح البطالة قد أصبح من تحديات العصر، لا بل سيبقي الجميع في مربع التخلف وبعيداً عن ما يسمى بالتنمية المستدامة، مما يتطلب إلى إعادة النظر بالهيكل الاقتصادي وأذرعه وصولاً لرؤية مستقبلية قابلة للترجمة من خلال خطط اقتصادية استراتيجية قادرة على إذابة هذه الظاهرة المقلقة والهادرة لطاقات الشباب بشكلٍ خاص بإعتبارهم الفئة الأكثر ضرراً.
لقد تحدث العديد من المختصين في الشأن الأقتصادي عن هذه الظاهرة وأسبابها والتي كانت تدور في الغالب حول كيفية إعادة هيكلة سوق العمل بقطاعاته المختلفة، وهيكلة التعليم بمستوياته ومسارته التعليمية والعلمية المختلفة على أعتبار مؤسسات التعليم الرافد الوحيد للخريجين المؤهلين، والالتزام بنظام التقاعد المبكر والشيخوخة لأعطاء مساحة كبيرة من الفرص للأخرين، والحد من العمالة الوافدة، والتوظيف على مبدأ الكفاءة، والتوجه نحو المشاريع الريادية وكيفية دعمها، ورفع الحد الأدنى للأجور بنسب تتوافق مع نسب التضخم، وغيرها من الطروحات ذات العلاقة كحلول ترمي بغاياتها إلى الحد من البطالة.
وعليه قد نتفق إلى حدٍ كبير مع هذه الطروحات كحلول تسهم في معالجة البطالة، ولكن نجد من حديثهم بإن هناك توافق على أن البطالة كانت كنتيجة لضعف في مدخلات الخطط الأقتصادية الاستراتيجية بإعتبارها الأساس في رسم المسارات الاقتصادية لكافة القطاعات مع الآشارة إلى غياب الحلول الجذرية وتزايد واضح لحجم البطالة، ناهيك عن تبعاتها في مضايقة السلم المجتمعي بطريقة أو بأخرى، مع ارتفاع كلف تبعات البطالة وتحميلها لخزينة الدولة.
وعليه نعتقد بأن الحد من تضخم البطالة يتطلب جهود كبيرة ومنها على سبيل المثال لا للحصر إعادة النظر بمدخلات العديد من السياسات الاقتصادية وخططها الاستراتيجية وبرامجها، مع التركيز على سياسات رشيقة لتشجيع الاستثمار المحلي والدولي لإستيعاب أكبر عدد من العمالة المحلية، وهيكلة التعليم بكافة مستوياته وتخصصاته بما يتوافق مع إحتياجات سوق العمل كماً ونوعاً ضمن سياسات ضابطة تحكم مدخلات ومخرجات المؤسسات التعليمية مع الحرص على البرامج التعليمية الأكثر حاجة وإيقاف البرامج الراكدة تماماً، وإتباع سياسة التوظيف حسب حجم رأسمال المستثمر وليس حسب حجم المؤسسات أو تصنيفها المؤسسي في القطاع الخاص لأمكانيته استيعاب أكبر عدد ممكن من العاملة المحلية وبشكلٍ خاص في القطاعات الأقتصادية الحيوية، ومضاعفة مخصصات الدعم للمشاريع الصغيرة والريادية، وتغير ثقافة العيب لبعض المهن، وتشريع التوظيف عن بُعد لحفظ حقوق العاملين، والتي بمجملها قد تكون من مفاتيح لتخفيف تضخم هذه الظاهرة المقلقة.
أن موضوع البطالة قد أصبح الشغل الشاغل للجميع ولا نعلم بالتالي بمصير هذه الظاهرة حال غياب الحلول الفعالة للمساهمة في معالجتها للعمل على انعاش عجلة الاقتصاد لينعم الجميع وحماية المجتمع والشباب بشكلٍ خاص وضمن تطلعات مستقبلية يسودها الرخاء والاستقرار الاقتصادي والسلم المجتمعي والنفسي للجميع تناغماً مع تطلعات صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله أبن الحسين المعظم وولي عهده الأمين حفظهم الله ورعاهم.