الجامعات والحرية الأكاديمية
بقلم: أ.د.يونس مقدادي
جميعنا يسمع بمصطلح الحرية الأكاديمية والمدون في ثنايا الخطط الاستراتيجية للجامعات كغاية وهدف تسعى الجامعات لترجمته في العملية التعليمية، ونعلم بإن الغاية والهدف من هذا المصطلح هو إعطاء أعضاء الهيئة التدريسية مساحة من الحرية العلمية والفكرية في الاستفسار والاستشهاد بالحقائق والتعمق بالأفكار المرتبطة بالمادة العلمية مع الالتزام بالمبادئ والمعايير والقيم والاخلاق الأكاديمية وأحترام الأخرين وآراءهم وإتجاهاتهم وغيرها وذلك بهدف الأرتقاء بالعملية التعليمية والمعرفية والثقافية والفكرية للطلبة لضمان مخرجات تعلمية وتعليمية تقوم على مهرات التفكير الفلسفي لإثراء مخزونهم المعرفي والفكري بشكلٍ رصين.
جميعنا يعي بأن تطور العملية التعليمية تعتمد على تحرير طرق وأساليب التدريس بالتوجه نحو التفكير الابتكاري والابداعي والنقد البناء والتجدد الفكري لتغيير طرق التفكير لدى الطلبة ليصبح مخزونهم المعرفي والفكري ملئ بمهارات البحث والتحليل والربط بمستجدات العلم وتحدياته وظروف الحياة المحيطة وبمعطياتها وفي مختلف التخصصات الأكاديمية لمساعدتهم في إعادة هندسة أنماط التفكير الذاتية والمعرفية لديهم للتكيف مع ظروف الحياة ومتطلباتها والوظيفية على حدٍ سواء.
وللتأكيد على صحة هذا الكلام وبالتدقيق في معايير التصنيف الأكاديمي لوجدنا بإن الحرية الأكاديمية من إحدى المتطلبات الأكاديمية المطلوب العمل بها من الجامعات ولا يجوز تجاهلها بإعتبارها جزءٍ لا يتجزأ من هوية الجامعات ومخرجاتها إنطلاقاً من طرائق وأساليب التدريس والقائمة على الاستفسار والاستشهاد والحوار الفكري للأفكار والحقائق والنقد البناء والرامية بنهاية المطاف إلى بناء العقل وطرق التفكير لدى الطلبة بما يحاكي الواقع بظروفه وتحدياته لتمكينهم من الاندماج بفكرهم وآراءهم كمنتجين للمعرفة الواسعة ولأعطاءهم الفرصة الحقيقية للتكيف مع تحديات العصر بفكراً واعاً نضمن من خلاله أجيال قادرة على بناء المستقبل.
أن ضرورة تبني الحرية الأكاديمية قولاً وعملاً في جامعاتنا أصبحت حاجة ماسة للأرتقاء في العملية التعليمية ومخرجاتها لتشكل تحولاً واسعاً في المنظومة الفكرية والمعرفية والحضارية لخريجيها، مما يتطلب من إدارات وقيادات الجامعات تفعيلها بشكلٍ واسع مع الحرص على إذابة الأساليب التقليدية والنمطية والتي مازالت في الغالب تطغى على العملية التعليمية والتعاطي مع العلم ومستجداته والتي شكلت ثقافة راسخة إلى حدٍ كبير ومن صورها أساليب التدريس النمطية، وطرائق التدريس التقليدية، ومحدودية نطاق المعرفة المطروحة في القاعة الصفية، ومحدودية نطاق الحوار الفكري الأكاديمي، وغياب النقد البناء، ناهيك عن لجوء البعض إلى خزل المخرون المعرفي للمساقات بعدد قليل من الورقيات أو سلايدات العرض والمراجع الرقيقة وغيرها والتي بمجملها أضعفت محتوى العملية التعليمية ونوعية مخرجات التعلم والتعليم، وهذا يدلل على أن الفكر الأكاديمي الاستراتيجي للقيادات الأكاديمية في الجامعات قد يتطلب إلى وقفة ومراجعة إنطلاقاً من أسس أختيارها النمطية وبرامجها التطويرية على أعتبارها المفتاح الحقيقي المعني من تطوير العملية التعليمية.
ويرى المهتمين والمتابعين بأن أهمية الحرية الأكاديمية أصبحت ضرورة ماسة حال إيماننا بأهميتها وغاياتها، مما يتطلب من الجامعات إلى مراجعة لرؤيتها وخططها الاستراتيجية وقياداتها الأكاديمية لتلامس مسوؤلياتها الجديدة لتبقى حاضنة للفكر المعرفي الرصين إنطلاقاً من مفهوم الحرية الأكاديمية الرامية لصناعة عقول منتجة للمعرفة وليس مستهلكة لها، ومنارات للإبداع والابتكار تناغماً مع تطلعات صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني أبن الحسين المعظم وولي عهده الأمين حفظهم الله ورعاهم.