التعليم المهني والثقافة المجتمعية
بقلم: أ.د.يونس مقدادي
يرى العديد من المتابعين لإحتياجات سوق العمل بإن هناك حاجة كبيرة للمؤهلات ذات الطابع المهني وخاصة في ظل تحولات سوق العمل ومتطلباته الجديدة والتي أكد عليها سوق العمل مراراً وبمختلف قطاعاته، ولكننا لا نجد تلك الاستجابة الحقيقية من المجتمع تجاه تلك التأكيدات بسبب رساخة بعض المفاهيم الاجتماعية السائدة تجاه التعليم المهني، وهذا النوع من التعليم الأقل حظاً بسبب تأثره بثقافة مجتمعية لدى البعض يسودها ثقافة العيب وغيرها من المفاهيم والتي يصعب إذابتها على الرغم من مناداة الكثير من المهتمين بالشأن التربوي والأكاديمي وأصحاب سوق العمل على تغيير تلك الثقافة ولكنها ما زالت تشكل عائقاً وصعوبة إنجاح هذا النوع من التعليم.
إن الثقافة المجتمعية تجاه التعليم المهني ما زالت تقف عائقاً أمام أصحاب القرار في الجامعات والمعاهد وتوجهاتهم على الرغم من أهميتها لسد حاجة سوق العمل في مختلف قطاعاته، والقلة من الجامعات وبعض المعاهد المتخصصة قد قامت على إستحداث عدد من البرامج المهنية ولكن ما زالت قضية الاقبال عليها ضعيف بالمقارنة بإجمالي عدد طلبة الثانوية الكبير وغالبيتهم يتجهون نحو التخصصات العلمية والأنسانية والإجماعية ولأسباب معروفة للجميع وأهمها الثقافة المجتمعية بمفاهيمها والتي أنتجت أعداد ضخمة من العاطلين عن العمل في غالبية التخصصات والشواهد والأدلة واضحة للعيان.
إن محدودية الأقبال على التعليم المهني فهو شاهداً على عدم تناغم ثقافتنا المجتمعية مع هذا النوع من التعليم على الرغم من إعتباره من أهم أنواع التعليم في وقتنا الحاضر ويتمتع بوفرة فرص العمل لخريجه وبشكلٍ كبيرفي سوق العمل المحلي والأقليمي والعالمي ، وإسهامه في تحريك عجلة أقتصاديات الدول وفي مختلف القطاعات الحيوية. ومن هنا نجد بإن ثقافة المجتمع مازالت تقف عائقاً أمام الأجيال والتي يراها البعض بإنها إحدى مدمرات المستقبل الإقتصادي والإجتماعي في ظل العزوف عنها بإعتبارها مهن دون الطموحات والتطلعات حسب مفهوم الثقافة المجتمعية السائدة.
إن إذابة المفاهيم المجتمعية الرافضة للتعليم المهني ومهنة خريجيها تستدعي من الجميع الوقوف على تداعياتها تفادياً من استشراءها في عقول أبناءنا. ويرى المهتمين بالتعليم ومن باب الحرص على مستقبل الأجيال الشخصي والإقتصادي والإجتماعي العمل على زيادة الوعي المجتمعي بحق التعليم المهني بالتشاركية مع الجهات ذات الإختصاص ، وتفعيل حقيقي للسياسات التربوية والأكاديمية نحو التعليم التطبيقي في مختلف المؤسسات التربوية والجامعية، وتصميم برامج توعوية إنطلاقاً من الأسرة والمدرسة والمؤسسات الأعلامية والرامية لإذابة تلك المفاهيم وأهمها ثقافة العيب وغيرها، ناهيك عن تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني الريادي في إذابة ثقافة العيب بحق البرامج المهنية ، وكذلك التأكيد على الجامعات والمعاهد بالتوجه إلى استحداث برامج مهنية وتسويقها بشكلٍ يبرز أهميتها للمجتمع، وإعادة النظر في سياسات القبول في الجامعات والمعاهد وتفعيل إمتحانات القبول للحد من الأقبال الكبير على بعض التخصصات ذات الارتباط بالمفاهيم والثقافة المجتمعية السائدة وغالبيتها تشهد زيادة في نسب بطالة خريجيها حسب بيانات ديوان الخدمة المدنية والبعض منها مرتقب بالوقت القريب.
نعلم جميعاً بإن تغيير ثقافتنا المجتمعية بحق التعليم فهي مسؤولية كبيرة على الجميع ولابد من التفكير بجدية في إيجاد نقلة نوعية في مسارات التعليم المختلفة لنحافظ على أبناءنا ومستقبلهم، وبنفس الوقت أن نوجه أبناءنا الطلبة تجاه التخصصات المناسبة بواقعية لتلامس فرص العمل المتاحة وبعيداً عن ما تفرضه ثقافتنا المجتمعية عند الكثير.