رشاقة العقول
بقلم: أ.د.يونس مقدادي
أنعم الله جل جلاله على الأنسان بنعمة العقل، والذي يُعد المحرك الفعلي وبوصلة التفكير بالإعتماد على مخزونه المعرفي كحصاد تراكمي مكتسب من خلال إدارك وفهم وقناعات محددة لغايات توظيفها في إدارة شؤون حياته بإبعادها وظروفها.ولكن آلية عمل عقل الأنسان تختلف من شخص إلى أخر بإختلاف البيئة والظروف المحيطة به والتي تفرض نفسها بالتالي على طريقة التفكير والمحددة بالتالي لطريقة وأسلوب التعامل مع مواقف الحياة.
ويرى أصحاب الاختصاص بإن العقل البشري عبارة عن مجموعة من القوى الإدراكية والتي تعتمد على الوعي،والمعرفة،وطريقة التفكير،والحكم على الأمور،ولغة التعبير،وقوة الذاكرة،وتخيل الأشياء،والتمييز، والتقدير، ومعالجة المشاعر والانفعالات، والمواقف والافعال وغيرها. أما من وجهة نظرالفلاسفة فقد أتفقوا على أن العقل البشري عبارة عن مجموعة الاستعدادات والقدرات العقلية والفكرية والعادات الذهنية.
ومن هنا نجد بإن ما يمتلكه عقل الأنسان من مكتسبات ربانية تعكس طريقة تفكيره تجاه حياته الشخصية والاسرية والمجتمعية والوظيفية وعلاقاته مع الأخرين والتي أظهرت وجود فروق واضحة للعيان، مما شكلت تناقضات في قوى الإدراك لدى الأنسان والتي صورها المختصين بصور مختلفة ومنها الاتزان،والانفعال،والاضطرب وغيرها والتي تؤثر على وعي وطريقة تفكير الأنسان ونحن بلا شك نتعامل مع هذه الصور وبشكلٍ يومي.
وعلى الرغم من هذه الحقيقة نجد أنفسنا في حالات كثيرة في حرج ومعاناة من سطحية طريقة التفكير عند البعض بحكم علاقاتنا المتمدة مع الأخرين مما يدلل ذلك على وجود حالات من عدم الاتزان الفكري بصوره المختلفة كالعبث الفكري، والفراغ الفكري، وشغف الاستعراض الهزلي، والمبالغة في التقدير، والحكم الصوري، والغطرسة بالحديث، والتحليل والتفسير القصري، والاستهتار بعقول الأخرين، والفزلكة الزائدة وغيرها والتي بمجملها تشكل واقع مرير يمتعض منها الغالبية، والمحزن بالموضوع بإن البعض يطرب على هكذا عقول بتفكيرها السطحي والبعض يسخر منها وبالمحصلة صدق المثل العامي القائل " العقل زينة".
وبالمقابل نسمع كثيراً لبعض الكلمات التعبيرية والمألوفة والدالة على رشاقة العقول بإن فلان إنسان متزن، وراكز، ودمث، وناصح،وحكيم، وفهيم، ومفكر،ومنطقي، وواقعي وغيرها وكلها دلالات تعبيرية تدل على رشاقة العقل والتي نحن فعلياً بأمس الحاجة لها في وقتنا الحاضر لنتخلص من مهاترات العقول الوضيعة ذات التفكير السطحي، والانفعالي، ومحدودة الفهم والتقدير، وسريعة الحكم بدون وعي، والمتشبثة بمهاترات الحديث وغيرها من الممارسات الفكرية غير المتزنة والبعيدة عن مفهوم رشاقة العقل والتي أصبحت حالة تشغل بال الكثير مع خوفنا الكبير من عواقبها.
أن رشاقة العقول وكياسة التفكير تُعد من مفاتيح الحوار والحديث البناء والمعززة لقدرات الأنسان الذهنية والفكرية وتخليص العقل من المهاترات الفكرية المرفوضة لا بل تسهم في بناء شخصية ضمن قدرات فكرية تجعله شخص يقدر ويحترم بآراءه ومخزونه الفكري والمعرفي مما يفرض نفسه بدماثة حديثه وطرحه لا بل نجد الاصغاء وحسن الاستماع والتأييد له لتمتعه برشاقة العقل وكياسته.
أن رشاقة العقول تُعد موهبة ومهارة لابد من حرص الجميع لأهميتها في ظل ظروف وصعوبات الحياة الراهنة لتوظيفها في حل الكثير من المشاكل والمهاترات التي نعاني منها يومياً ، وهي ليست بفريدة أو بعيدة المنال لا بل بإمكان الجميع أن يمارسها ضمن مهارات معينة وسهلة حال تفعيل قدراتنا العقلية لتكون المفتاح الحقيقي لبناء العقل والشخصية على إعتبار العقول هي رصيد الأنسان الفعلي النابضة بالفكر البناء والايجابي لتكون النواة في بناء الحضارة والتحضر.