الإبداع الإداري والحلقة المفقودة
بقلم: أ.د. يونس مقدادي
لقد أشارت أدبيات علم الإدارة الحديث وبشكلٍ خاص في موضوع الإبداع الإداري باعتباره المفتاح الحقيقي لنهضة وتطور المؤسسات وفي مختلف القطاعات ، والتي تقوم على الفكر القائم في صناعة الأفكار الإبداعية والرامية إلى حل ومعالجة مجمل المشاكل والعقبات داخل وخارج المؤسسات سعياً منها لتحقيق التطور والتحسين إنطلاقاً من كافة العمليات الوظيفية ذات الأبعاد الإدارية والمالية والبشرية والتقنية من أجل تعزيز مكانتها وصورتها الذهنية المتميزة والتنافسية لدى المجتمع الداخلي والخارجي لها.
لقد أدركت حاكمية المؤسسات أهمية الإبداع الإداري من حيث المضمون والمزايا والمعروفة للجميع والساعية لمواكبة التطور والتغيير بإعتباره من أحد الخيارات الاستراتيجية للنهوض بها بحكم علاقته المباشرة بمفاصل الحياة الوظيفية، وحاجتها الماسة لتطبيق مضامينه عملياً ليكون لها نصيباً بالحاق بموج التطور المؤسسي وخاصةٍ في ظل التسابق نحو التنافسية بإبعادها وإنعكاساتها على أداء المؤسسات ومستقبلها الريادي، مع الحرص منها التخلص من مخلفات أفكار الإدارة التقليدية العقيمة وقصر البصيرة والتحرر نحو التطوير والتحسين المستمر والأفكار الخلاقة التي تقوم على الإبداع والذي أصبح من أهم متطلبات التطوير النوعي لمختلف الوظائف ومسمياتها الوظيفية ومختلف المستويات الوظيفية.
إن جوهر الإبداع الإداري بمضامينه ومخرجاته قد أصبح من مرتكزات بناء القرارات النوعية وبشكلٍ خاص ممن هم في موقع القيادة الإدارية بإعتبارهم الجهات التنفيذية والصانعة للإبداع الإداري، لتكون هذه القرارات ذات نتائج مردودها الواضح والملموس على مختلف المستويات الوظيفية، والمقصود هنا على أن يكون الإبداع الإداري أمراً واقعاً وليس شعاراً يطربنا عزفاً لغايات الاستعراض والتسلية، وأنما يجب أن يكون معياراً رئيسي وتوجهاً إستراتيجياً لتحقيق بما يسمى بالنقلة النوعية للعمل المؤسسي.
لو أطلعنا جميعاً على حال الكثير من المؤسسات في مختلف القطاعات والتي لا تسر بال أحد من حيث نوعية الأداء كمؤشر رئيسي يعكس واقعها من حيث بيئة وثقافة المؤسسات وأنماط الإدارة فيها، والعجز الفكري الإداري في تناولها لمصوغات الإبداع الإداري ، وهذا يعود بإعتقادنا للعديد من الأسباب والعوامل ذات العلاقة في إبتعاد المؤسسات وإداراتها عن الإبداع الإداري وعدم أخذه على محمل الجد وأكتفاءها بالتمسك بالمفاهيم التقليدية للإدارة العقيمة والقائمة على التجاذبات والاجتهادات الشخصية، وغياب القيادات الإدارية الريادية ذات الأفكار الإبداعية والمتطلعة نحو التغيير والتحسين، والفراغ الفكري التطويري، والانشغال في روتينيات العمل التي تغني ولا تسمن من جوع، والخوف من الفشل، والهروب من تحديات الإبداع ومتطلباته ، وغياب مفهوم الإبداع الإداري من حيثيات سياسات وإستراتيجيات وتوجهات المؤسسات الحالية والمستقبلية.....الخ. وعليه نجد حصيلة أداءها المتواضع وكما يقال"خطوة إلى الأمام وعشرة إلى الوراء" وهذا نتيجة حتمية لغياب الإبداع الإداري كأساس في رسم مسارات العمل المؤسسي.
ومن هنا نعتقد جازمين بإن العلاج الحقيقي لتحسين وتطوير العمل المؤسسي بمدخلاته ومخرجاته يقوم على الإبداع الإداري مع تمسك القيادات الإدارية بالتوجه نحو التغيير النوعي على أرض الواقع تطلعاً منها نحو بناء مستقبل مؤسسي بما يتناغم مع الرؤى المؤسسية الاستراتيجية والهادفة إلى تحقيق التميز النوعي والتسابق نحو التنافسية والتي فرضت نفسها على المؤسسات بدلاً من الأكتفاء بالإنجازات المتواضعة والتي لا ترقى لمستوى الطموح المؤسسي، ناهيك عن المخلفات غير المهنية الناتجة عن غياب الإبداع الإداري والتي ستزيد من عبء العمل وروتين العمل الممزوج بالاحباط والتذمر، وغياب الميزة التنافسية في العمل المؤسسي.
ولترجمة هذا الأمر على أرض الواقع لابد من حاكمية المؤسسات الحرص الأكيد على ترسيخ ثقافة الإبداع ومنها الإبداع الإداري في كافة مفاصل الحياة الوظيفية ليكون منهجاً مؤسسي متجذر في العمل المؤسسي، وتشجيع ومشاركة الجميع على طرح الأفكار الإبداعية الخلاقة والقابلة للتطبيق، وتوفير البيئة الخصبة للإبداع ومتطلباته، وتحسين عملية الاستقطاب الوظيفي للكفاءات لتكون النواة الحقيقية لتحسين مدخلات ومخرجات المؤسسات بالإعتماد على نوعية العنصر البشري، ووضع معايير نوعية ومواصفات مهنية دقيقة لاختيار موظفيها ومنها فيما يخص القيادات الإدارية بإعتبارها جهات تنفيذية مهمة والتي من المفترض أن تكون على مستوى المسؤولية بالإعتماد على برامج عمل تقوم على الإبداع لتكون الضامن الفعلي لتحقيق التغيير والتحسين والتطور النوعي المنشود، والاطلاع على تجارب المؤسسات المماثلة محلياً وعالمياً لأكتساب الخبرة منها والاستفادة من تجاربها، وتحفيز ودعم ذوي الأفكار الخلاقة مادياً ومعنوياً. وعليه سنجد المؤسسات قد أصبحت قادرة على تجاوز الكثير من المعوقات والمشاكل الوظيفية والإدارية وتمكينها من الانطلاق نحو التغيير النوعي والتميز المؤسسي والتنافسية بكفاءة وجدارة ومهنية عالية في العمل المؤسسي.